الإنسـان بين الطاعة والمعصية ملاك أم شيطــان؟
منذ أن وجد الإنسان ـ بمشيئة الله ـ علي ظهر الأرض, واستمرار هذا الوجود حتي يأذن الله بالنهاية, وطبيعة هذا الإنسان كما ارادها الله فيها الخير والشر, والصلاح والفساد, الصواب والخطأ.
ويبدو ـ والله أعلم ـ أن خلق الإنسان علي هذه الطبيعة كما نتصوره من قصة آدم والملائكة وإبليس التي وردت في أكثر من موضع بالقرآن الكريم. علي هذه الصورة مقصود وملائم لوظيفة الإنسان في الحياة التي آثره الله بها وفق علمه وحكمته وإرادته فهو ـ اي الإنسان والحال هكذا ـ ليس ملاكا يفعل ما يؤمر به وليس شيطانا في حالة تمرد وعصيان دائم ومطرود من رحمة الله وإنما هو ـ كما قلنا ـ فيه الخير والشرير, والطيب والقبيح, المصيب والمخطيء, وهو ايضا بهذا المنطق محل للهداية احيانا حتي ليصل بهذه الهداية إلي صفوف الملائكة او محل للغواية والإغواء والإفساد حتي ليكون أقرب إلي شيطان رجيم يتحرك بين الناس.
نريد ان نصل من هذه السطور إلي أن الإسلام كدين ودولة يعرف حقيقة الإنسان وطبيعته التي تجمع بين المتناقضات شأنه شأن الكون الذي اختاره الله لتعميره واوجه النشاط فيه لذلك لم يكلف الناس ان ينسوا هذا الوضع الطبيعي ولهذا ايضا جاء التشريع الإسلامي ملائما لهذه الطبيعة فلم يفرض علي المجتمع ان يكون ملائكيا او مبرأ من كل عيب فلا يقع فيه الا الخير والصلاح والاستقامة واداء الحقوق ولكنه فرض المجتمع الإنساني مجتمعا انسانيا, يخطيء الفرد فيه او يميل عن الصراط المستقيم قد يأتي بالشر ويقع في الفساد ولم يضق الإسلام بهذا ولم ينظر اليه علي أنه أمر يثير اليأس ويبعث علي القنوط وإنما نظر إليه في كثير من السماحة والرفق والإيناس والتبشير والمعالجة التي تعترف بحقوق الفطرة وتتقبل المعذرة عما لا يمكن ان يجتنب دائما بحكم الطبيعة.
من اجل هذا.. كانت رسالة الإسلام في بناء المجتمعات رسالة رحمة وتيسير وتخفيف وغفران وتوبة بعد عصيان لا رسالة قسوة وقهر وهيمنة وتيئيس وتشديد, وتزمت ويمكن ان نجد ذلك واضحا في قول الله تعالي: يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم, والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما, يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا
وفي قوله تعالي: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر
وفي قول النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ
لو لم تذنبوا فتتوبوا لذهب الله بكم واتي بقوم آخرين يذنبون فيتوبون وهو مايصدقه القرآن الكريم:
قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا
إن الإسلام بهذا النهج يريد للمجتمع ان يكون دائما في حالة امل واستبشار لا ييأس من روح الله ولا يشعر أحد فيه بأنه مقيد, ترصد عليه الهفوات ويحاسب علي الصغيرة والكبيرة حسابا عسيرا فيه الكثير من القسوة والصرامة ولكنه في الوقت ذاته يريد مجتمعا متماسكا غيرمتحلل ولا منساق مع الغرائز دون ان يوجهها نحوالصواب ولا مع الدعوات المنحرفة دون ان يقاومها.
لهذا كانت دعوة القرآن الكريم في كل آياته دعوة وسطا فلا هي بالدعوة التي تعتمد التخويف والترهيب إلي درجة اليأس وعدم العودة ولا هي بالدعوة التي تطلق للإنسان عنان شهواته ورغباته إلي حد التردي والانغماس في بئر المعاصي والإنسان في الإسلام علي هذه الصورة مخلوق له قيمته وكرامته وله حق الاعتراف بغرائزه وميوله وله حق الصفح عن اخطائه وقبول التوبة منه ولكنه مع هذا ليس بالمدلل المتروك سدي وانما هو مسئول مخاطب مكلف في حدود ما يطيق وما يتلاءم مع طبيعته ومكوناته الانسانية.
ومن المأثور في سيرة أمير المؤمنين العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان أناسا من مصر سألوا حاكمها عبد الله بن عمرو فقالوا: نري أشياء من كتاب الله تعالي امر ان يعمل بها فلا يعمل بها فأردنا أن نلقي أمير المؤمنين في ذلك فاستقبلهم أمير المؤمنين في المدينة المنورة وسأل واليه علي مصر متي قدمت وهل استأذنت؟ فذكر له الوالي مقالة المصريين واستفسارهم فقال له عمر: اجمعهم لي فجمعهم ودار هذا الحوار:
عمر: بحق الإسلام عليك, أقرأت القرآن كله؟
رجل: نعم
عمر: هل أحصيته في نفسك..؟
الرجل: لا
عمر: فهل أحصيته في بصرك في لفظك.. في اثرك.. ثم تعقبهم حتي أتي علي آخرهم فقال: اتكلفونه ان يقيم الناس علي كتاب الله؟.. ثم اردف:
قد علم ربنا ان ستكون لنا سيئات وتلا قول الله تعالي: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما
ثم سأل عمر الرجال من مصر: هل علم أحد بما قدمتم؟ قالوا: لا قال: لو علموا لوعظت بكم اي لعاقبتكم علي هذا التزمت والتشدد عقوبة تكون عظة لغيركم.
والمعني القريب والبعيد لهذه القصة المعبرة ولهذه السطور من بدايتها إلي نهايتها ان الدين يسر ولن يشاد الدين احد إلا غلبه وان الإنسان ليس ملاكا وليس شيطانا وانه بفطرته وطبيعته بيده, وبيده وحده يمكنه ان يصل بذاته إلي أسمي القيم والدرجات او ان يهبط بها إلي الهاوية ولهذا كان هذا الإنسان هدفا لرسالات السماء وختامها الإسلام العظيم
يأخذ بيده في رفق ويسر ودون تشدد ليصل به إلي شاطيء الامان دنيا واخري.
منذ أن وجد الإنسان ـ بمشيئة الله ـ علي ظهر الأرض, واستمرار هذا الوجود حتي يأذن الله بالنهاية, وطبيعة هذا الإنسان كما ارادها الله فيها الخير والشر, والصلاح والفساد, الصواب والخطأ.
ويبدو ـ والله أعلم ـ أن خلق الإنسان علي هذه الطبيعة كما نتصوره من قصة آدم والملائكة وإبليس التي وردت في أكثر من موضع بالقرآن الكريم. علي هذه الصورة مقصود وملائم لوظيفة الإنسان في الحياة التي آثره الله بها وفق علمه وحكمته وإرادته فهو ـ اي الإنسان والحال هكذا ـ ليس ملاكا يفعل ما يؤمر به وليس شيطانا في حالة تمرد وعصيان دائم ومطرود من رحمة الله وإنما هو ـ كما قلنا ـ فيه الخير والشرير, والطيب والقبيح, المصيب والمخطيء, وهو ايضا بهذا المنطق محل للهداية احيانا حتي ليصل بهذه الهداية إلي صفوف الملائكة او محل للغواية والإغواء والإفساد حتي ليكون أقرب إلي شيطان رجيم يتحرك بين الناس.
نريد ان نصل من هذه السطور إلي أن الإسلام كدين ودولة يعرف حقيقة الإنسان وطبيعته التي تجمع بين المتناقضات شأنه شأن الكون الذي اختاره الله لتعميره واوجه النشاط فيه لذلك لم يكلف الناس ان ينسوا هذا الوضع الطبيعي ولهذا ايضا جاء التشريع الإسلامي ملائما لهذه الطبيعة فلم يفرض علي المجتمع ان يكون ملائكيا او مبرأ من كل عيب فلا يقع فيه الا الخير والصلاح والاستقامة واداء الحقوق ولكنه فرض المجتمع الإنساني مجتمعا انسانيا, يخطيء الفرد فيه او يميل عن الصراط المستقيم قد يأتي بالشر ويقع في الفساد ولم يضق الإسلام بهذا ولم ينظر اليه علي أنه أمر يثير اليأس ويبعث علي القنوط وإنما نظر إليه في كثير من السماحة والرفق والإيناس والتبشير والمعالجة التي تعترف بحقوق الفطرة وتتقبل المعذرة عما لا يمكن ان يجتنب دائما بحكم الطبيعة.
من اجل هذا.. كانت رسالة الإسلام في بناء المجتمعات رسالة رحمة وتيسير وتخفيف وغفران وتوبة بعد عصيان لا رسالة قسوة وقهر وهيمنة وتيئيس وتشديد, وتزمت ويمكن ان نجد ذلك واضحا في قول الله تعالي: يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم, والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما, يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا
وفي قوله تعالي: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر
وفي قول النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ
لو لم تذنبوا فتتوبوا لذهب الله بكم واتي بقوم آخرين يذنبون فيتوبون وهو مايصدقه القرآن الكريم:
قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا
إن الإسلام بهذا النهج يريد للمجتمع ان يكون دائما في حالة امل واستبشار لا ييأس من روح الله ولا يشعر أحد فيه بأنه مقيد, ترصد عليه الهفوات ويحاسب علي الصغيرة والكبيرة حسابا عسيرا فيه الكثير من القسوة والصرامة ولكنه في الوقت ذاته يريد مجتمعا متماسكا غيرمتحلل ولا منساق مع الغرائز دون ان يوجهها نحوالصواب ولا مع الدعوات المنحرفة دون ان يقاومها.
لهذا كانت دعوة القرآن الكريم في كل آياته دعوة وسطا فلا هي بالدعوة التي تعتمد التخويف والترهيب إلي درجة اليأس وعدم العودة ولا هي بالدعوة التي تطلق للإنسان عنان شهواته ورغباته إلي حد التردي والانغماس في بئر المعاصي والإنسان في الإسلام علي هذه الصورة مخلوق له قيمته وكرامته وله حق الاعتراف بغرائزه وميوله وله حق الصفح عن اخطائه وقبول التوبة منه ولكنه مع هذا ليس بالمدلل المتروك سدي وانما هو مسئول مخاطب مكلف في حدود ما يطيق وما يتلاءم مع طبيعته ومكوناته الانسانية.
ومن المأثور في سيرة أمير المؤمنين العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان أناسا من مصر سألوا حاكمها عبد الله بن عمرو فقالوا: نري أشياء من كتاب الله تعالي امر ان يعمل بها فلا يعمل بها فأردنا أن نلقي أمير المؤمنين في ذلك فاستقبلهم أمير المؤمنين في المدينة المنورة وسأل واليه علي مصر متي قدمت وهل استأذنت؟ فذكر له الوالي مقالة المصريين واستفسارهم فقال له عمر: اجمعهم لي فجمعهم ودار هذا الحوار:
عمر: بحق الإسلام عليك, أقرأت القرآن كله؟
رجل: نعم
عمر: هل أحصيته في نفسك..؟
الرجل: لا
عمر: فهل أحصيته في بصرك في لفظك.. في اثرك.. ثم تعقبهم حتي أتي علي آخرهم فقال: اتكلفونه ان يقيم الناس علي كتاب الله؟.. ثم اردف:
قد علم ربنا ان ستكون لنا سيئات وتلا قول الله تعالي: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما
ثم سأل عمر الرجال من مصر: هل علم أحد بما قدمتم؟ قالوا: لا قال: لو علموا لوعظت بكم اي لعاقبتكم علي هذا التزمت والتشدد عقوبة تكون عظة لغيركم.
والمعني القريب والبعيد لهذه القصة المعبرة ولهذه السطور من بدايتها إلي نهايتها ان الدين يسر ولن يشاد الدين احد إلا غلبه وان الإنسان ليس ملاكا وليس شيطانا وانه بفطرته وطبيعته بيده, وبيده وحده يمكنه ان يصل بذاته إلي أسمي القيم والدرجات او ان يهبط بها إلي الهاوية ولهذا كان هذا الإنسان هدفا لرسالات السماء وختامها الإسلام العظيم
يأخذ بيده في رفق ويسر ودون تشدد ليصل به إلي شاطيء الامان دنيا واخري.